بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ان الحكمة هي طلب الحقيقة ومحبتها,ومن طلبها فقد اتخد الى ربه سبيلا,واهتدى
الى الطريق الموصل الى هذه الحقيقة.قال تعالى في شان النبي داوود عليه السلام:
"واتيناه الحكمة وفصل الخطاب"ص _20
اي عرف البيان الشافي .وادرك حقيقة ما ينبغي ان يقصد.
ان بداية الطريق الى الحقيقة هي ان يعود الانسان الى نفسه وينظرها في غيره في اصل خلقه.وبداية وجوده ومراحل تطوره الى نهايته ومصيره.
اما نهاية الطريق الى هذه الغاية,فلا تتحقق الا بشيئين:
اولهما:عدم نسيان ان الانسان يسعى الى الحقيقة,حتى لا يضل هذا السبيل.قال عز
وجل:"وضرب لنا مثلا ونسي خلقه"يس 78 .فمن نسي انساه الله نفسه.وهنا يضل
السبيل.قال تعالى:"ولا تكونوا كالذين نسوا الله فانساهم انفسهم."الحشر 19 .
ثانيهما:عدم الطغيان الموقع بالانسان في الانحراف المؤدي به الى التيه والضلال
قال تعالى:"كلا ان الانسان ليطغى.."العلق 6 اي يطغى على موجده وعلى نفسه
وعلى غيره...
ان الحكمة منهج ونحن اذا اردنا تنفيذ هذا المنهج في محاولة معرفة الانسان
بحقيقته,اتخذنا الى ذلك خطوات لا نسيان فيها ولا طغيان.فنبدا بالتذكير بالبداية
والنهاية اولا.
قال تعالى:"هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا"الانسان 1
اي اتى على الانسان زمن لم يكن له اثر ,وسؤالنا هو:اين كان؟
وقال عز وجل"كل نفس ذائقة الموت ثم الينا ترجعون"العنكبوت 57
فالموت هو الفناء والعدم .اي بعد الوجود سياتي عليه زمن سيغيب فيه ولم يبق له
اثر وسؤالنا هو:الى اين سيذهب؟ولماذا؟
وبين هذه البداية والنهاية مراحل لابد من الوقوف عندها والتامل فيها.
فما حقيقة الانسان؟الانسان:هو ارقى المخلوقات وافضلها في الارض على الاطلاق
صورة وطبيعة,لكون وجوده كان بارادة الله ومن روحه.قال تعالى:"لقد خلقنا الانسان
في احسن تقويم..."التين 4 وقال ايضا:فاذا سويته ونفخت فيه من روحي"
الحجر 29 .
وما اصل الانسان؟يعود اصل الانسان بالمشاهدة بالعيان الى المزج بين الماء
والطين.قال تعالى:"فلينظر الانسان مم خلق,خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب..."الطارق 5 الى 7.وقال ايضا:"ولقد خلقنا الانسان من سلالة
من طين"الومنون 12.وقال:"هو الذي خلقكم من طين ثم قضى اجلا"الانعام 25 .
ومن خلال هذا الاصل ,يؤكد القران الكريم ان الانسان رغم كبريائه وطغيانه وجبروته,وهي صفاة تعود الى النفخة ,فانه مخلوق ضعيف.قال تعالى:وخلق الانسان
ضعيفا"النساء 28 .
مظاهر الضعف وحقيقته:
وتتجلى هذه المظاهر والحقائق في الاحوال والصفات والطبائع والمراحل.ونحن في
هذا السياق,سندع الحديث عن الاحوال والصفات والطبائع,ونخص بالذكر بيان
الضعف بالمراحل...
قال تعالى:"الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة.ثم جعل من بعد
قوة ضعفا وشيبة,يخلق ما يشاء وهو العليم القدير"الروم 54 .
تجليات الضعف والقوة:
قال تعالى مؤكدا ومبينا الاطوار التي يمر بها الانسان من دون استثناء:
"مالكم لا ترجون الله وقارا ,وقد خلقكم اطوارا"نوح 14 .وتبدا هذه الاطوار وتتحدد
في قوله عز وجل:"يا ايها الناس ان كنتم في ريب من البعث ,فانا خلقناكم من تراب
ثم من نطفة ثم من علقة,ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة,لنبين لكم,ونقر في الارحامما نشاء الى اجل مسمى,ثم نخرجكم طفلا ,ثم لتبلغوا اشدكم,ومنكم من يتوفى
ومنكم من يرد الى ارذل العمر لكي لا يعلم من بعد علم شيئا."الحج 5
وقال تعالى:"ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين
ثم خلقنا النطفة علقة,فخلقنا العلقة مضغة ,فخلقنا المضغة عظاما,فكسونا العظام
لحما,ثم انشاناه خلقا اخر,فتبارك الله احسن الخالقين"المؤمنون:12 14
وقال عز اسمه:"حملته امه كرها ,ووضعته كرها,وحمله وفصاله ثلاثون شهرا"
الاحقاف 15 .
فهذه تجليات لمراحل الضعف والقوة ,امام مظاهرها في الحياة الانسانية العامة,
فيمكن الاعتبار منا ,بتتبع بعض الصور والنمادج.
ان الانسان يولد ضعيفا:
ويضل كذلك تحت الرعاية والحماية الى المرحلة التي بعدها.
مرحلة القوة:وهي مرحلة ليست ثابتة عند الجميع,زانما هي معلقة تحتمل تغير الحال
بعاهة خلقية او عقلية من جراء حادثة او حالة عصبية او مشكلة اجتماعية او مرض عضال من امراض العصور ,فكل عصر وامراضه...وغير ذلك.
مرحلة الضعف من جديد:وتبدا في تقدم الزمان ومرور الايام ,وهي مرحلة ينهار
فيها الجسد ,ويذهب فيها الحسن والجمال بظهور التجاعيد,وتهن العظام ويشتد الشيب, وتهتز الاعضاء,ويعود العقل الى اصله وهو الجهل وعدم العلم بعد العلم
فيعود كل شيء الى الفناء اي يتجه ويجري الى اصله وهو العدم.
ويمكن للانسان ان ياخذ العبرة من الرسل والانبياء والعباقرة والطغاة واهل الفن
والسياسة,والمشاهير.فالكل له نهاية سلبية ,هي الموت التي تاخذ البعض قبل
الوجود,والبعض الاخر في الضعف,قبل ان تدركه او يدرك القوة,والاخر في مرحلة القوة...وهكذا .ومن جميع هذه المظاهر ينبغي ان نؤخذ العبرة بعدم النسيان لهذه
الحقيقة,او الطغيان في تجاوزها.
فاذا تامل الانسان في هذه الاشياء ,ادرك انه لا فائدة في التعلق بهذه الحياة الفانية
ويسعى الى ما هو انفع بعدها وان ما يملكه من الاشياء ملكا او مالا او عقارا
او علما او شهرةاو فنا او اختراعا...لم يوهب له الا على سبيل الاختياروالتكليف
لكونه جوابا عن سؤالنا لماذا,بعد ان عرفنا الى اين سيذهب الانسان.
وباختصار :فليعلم الانسان انه مخلوق عاجز بالنتيجة النهائية ,وانه قوي اذا حقق
الغاية ...وليعلم ايضا انه كما قال فيه تعالى:"انك لن تخرق الارض ولن تبلغ
الجبال طولا..."الاسراء 38
وليعلم ايضا ان الحياة الدنيا اذا اخذت على حقيقتها باللعب والكبرياء والغرور كانت
خاتمتها الندامة والحسرة والثبور,قال تعالى:
"اعلموا انما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال والاولاد
كمثل غيث اعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما,وفي الاخرة
عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان,وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور"
الحديد 20
وليعلم ايضا انه مهما كان ومهما عمر فانه ميت ,فلا يكون حريصا على شيء منته
وليحرص على الباقي والخالد ,وهو عمل الخير الذي سيرافقه ويلازمه بعد الموت
ملازمة الظل لصاحبه.
واخيرا:
فهذا مجرد قول هدفه النصيحة لله ولرسوله وللمومنين,زهو سؤال عن جواب لا
اسال عليه من الاجر ,ان هو الا ذكرلرب العالمين,والحمد لله الذي وفقنا لهذا وما
كنا له عالمين.
منقول