قراءة وعرض : ظافر الدوسري
فى يوم السابع عشر من شهر رمضان المبارك يصادف ذكرى مرور 1417 سنة على غزوة بدر الكبرى التي حدثت في يوم الجمعة السابع عشر من السنة الثانية للهجرة,, هذه الغزوة او الحرب تعد بداية التأسيس الحقيقي لدولة اسلامية عظمى حيث سحقت خلالها رؤوس كبار المشركين واعداء الله ورسوله,, لقد كانت الغزوة المذكورة مضرب المثل ونموذجا فريدا في الشجاعة والحنكة وملحمة من ملاحم البطولات والانتصارات الاسلامية المتعددة وحدثا نستلهم منه العبر وطريقا حيا الى الجهاد ونصرة دين الله العظيم واعلاء كلمته ودحر الباطل واحقاق الحق.
اسباب حدوث المعركة
قدم ابو سفيان بن حرب من الشام بقافلة تجارة عظيمة قاصدا مكة المكرمة وفي حراسة اربعين راكبا بما فيهم عمرو بن العاص وابي سفيان نفسه,, ولما علم المسلمون في المدينة المنورة عن امر هذه القافلة ارادوا اعتراضها وذلك لرد حقوقهم المسلوبة التي تركوها وراءهم في مكة المكرمة وقد غيرت قريش اتجاه سيرها واخذت طريق الساحل لما علمت بامر المسلمين ورغبتهم في استرداد حقوقهم المسلوبة وابتعدت عن بدر الذي كان فيه ينتظر المسلمون مرور القافلة لاخذ ما فيها من غنائم.
ورغم ان القافلة نجت الا ان ذلك لم يثن ابا جهل بن هشام عن الخروج بصناديد قريش لملاقاة محمد صلى الله عليه وسلم في موقع يسمى بدرا وهو موضع بين مكة المكرمة والمدينة المنورة وهو على بعد 160 كم من المدينة وقد قيل لابي جهل الجاهل لقد نجت العير فعد بالنفير وارجع الناس الى مكة فأبى عليه كفره وجبروته ونهايته وقبل ذلك تدبير العزيز عز وجل وقال لا والله لا يكون ذلك ابداحتي تنحر الجزور وتشرب الخمور ونقيم القينات والمعازف ببدر فيتسامع جميع العرب بمخرجنا وان محمدا لم يصب العير وانا قد هزمناه وشردنا باصحابه وخربناه بسيوفنا.
الرؤيا العجب
سبق هذه الغزة التاريخية ان اخت العباس بن عبدالمطلب قد رأت رؤيا عجيبة وكأن ملكا نزل من السماء ثم اخذ صخرة من الجبل ثم حلق بها فلم يبق بيت من بيوت مكة الا اصابه حجر من تلك الصخرة فحدث بها العباس واشاعها بين القوم ليثني عزيمة النفير عن حرب ابن اخيه.
أبو جهل يقرع طبول الحرب
وقد جمع ابو جهل صناديد قريش ودعاهم الى الحرب لما علم بمحاولة محمد صلى الله عليه وسلم واصحابه التعرض للقافلة ونادى من فوق الكعبة يا اهل مكة النجا,, النجا,, على كل صعب وذلول,, عير اموالكم ان اصابها محمد لن تفلحوا بعدها ابدا .
ولم يأبه ابو جهل برؤيا اخت العباس وادرك ان العباس قد اشاعها بين القوم ليثنيه عن عزيمته والتقليل من حماسه ورد على هذه الرؤيا بقوله ما يرضي رجالهم ان يتنبأوا حتى تتنبأ نساؤهم,, واراد بهذا القول ان يبث الحماس في قريش للخروج الى بدر لينقذ قافلتها القادمة من الشام ويهين المسلمين ويذلهم ولما يدر ان هذه الحرب ستنقلب وبالا عليه وعلى اصحابه.
المسير الى ساحة المعركة
وخرج ابو جهل من مكة المكرمة بأبطال قريش وكان عددهم وعتادهم يفوق المسلمين حيث يبلغون الف مقاتل مدججين بالسلاح والخيل والابل,, وفي المقابل كان المسلمون اقل وعددهم لا يتجاوز الثلاثمائة رجل ولم يكن معهم سوى سبعين بعيرا وست اذرع وثمانية سيوف ومعظمهم يمشون على اقدامهم.
معسكر المسلمين
والاستعدادات للمعركة على قدم وساق نزل جبريل عليه السلام وقال يا محمد ان الله وعدكم احدى الطائفتين اما العير واما قريش فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه فقال اما تقولون ان القوم خرجوا من مكة على كل صعب وذلول فالعير احب اليكم او النفير وكان بعض اصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يفضلون السلم على الحرب لقلة عددهم وعتادهم فأجابوا الرسول بقولهم بل العير احب الينا من النفير فتغير وجهه صلى الله عليه ثم رد عليهم فقال ان العير قد مضت على ساحل البحر وهذا ابو جهل قد اقبل فقالوا يا رسول الله عليك بالعير ودع العدو.
اذهب انت وربك فقاتلا
لاحظ ابوبكر وعمر بن الخطاب غضب الرسول المصطفى عليه افضل الصلاة والتسليم فقاما فاحسنا القول وشدا من ازر الرسول وألهبا الحماس والغيرة الاسلامية في نفوس من رفض لقاء العدو,, ثم اعقبهما سعد بن عبادة والمقداد بن الاسود وقاما في وسط القوم وقال سعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم انظر امرك فوالله لو سرت الى عدن ابين ما تخلف عنك احد من الانصار,, وأبين اسم رجل نسبت اليه عدن ثم قال المقداد يا رسول الله امض لما امرك الله فانا معك حيث احببت لا نقول لك كما قال بنو اسرائيل لموسى اذهب انت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون ولكن اذهب انت وربك فقاتلا انا معكما مقاتلون ما دامت عين منا تطرف فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال اشيروا علي ايها الناس ويعني الانصار لانهم حين بايعوه على العقبة فقالوا انا براء من ذمامك حتى تصل الى ديارنا فاذا وصلت الينا فانت في ذمامنا نمنعك ما نمنع به اباءنا ونساءنا,, فاحب النبي صلى الله عليه وسلم ان يقف على ابعاد هذه البيعة وهل تمتد الى خارج المدينة ام داخلها فقط,, فقام سعد بن معاذ رضي الله عنه فقال: لكأنك تريدنا يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجل قال سعد لقد امنا بك وصدقناك وشهدنا ان ما جئت به هو الحق واعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول الله لما اردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره ان تلقى بنا عدونا ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله فسعد النبي صلى الله عليه وسلم من قول سعد ثم قال سيروا على بركة الله فابشروا ان الله وعدني احدى الطائفتين والله لكأني انظر الى مصارع القوم.
ابليس يرى الملائكة
وصل جيش الرحمن وجيش الكفار الى ارض المعركة,, ولما اوجس ابو جهل خيفة ورهبة من الموقف خرج له الشيطان ابليس في صورة سراقة بن مالك بن جعثم الشاعر الكناني فقال له لا غالب لكم اليوم واني مجيركم من بني كنانة والذين بينهم وبين قريش عداوة وتوهم الكفار ان الشيطان هو سراقة بن مالك.
ولما رأى الشيطان جند الله من الملائكة في ارض المعركة على خيل بلق عليهم عمائم صفر وبيض ارسلوها بين اكتافهم يضربون فوق الاعناق ويضربون من الكفار كل بنان خاف ابليس لعلمه بشدة عقاب الله وقيل كانت يده في يد الحارث بن هشام فلما نكص قال له الى اين اتخذلنا في هذه الحال ,, فقال اني ارى ما لا ترون ودفع في صدر الحارث وانطلق, قال تعالى وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال اني بريء منكم اني ارى ما لا ترون اني اخاف الله والله شديد العقاب سورة الانفال اية 48.
المواجهة في الميدان
التقى الجمعان في بدر كما ذكرنا في يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان السنة الثانية من الهجرة ونزل المسلمون من الوادي بالعدوة الدنيا مما يلي المدينة ونزل المشركون في الوادي بالعدوة القصوى مما يلي مكة المكرمة وكان كل فريق يرى الفريق الآخر قليلا قبل الالتحام بالسيوف وذلك مصداقا لقول الله سبحانه وتعالى اذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو اراكهم كثيرا لفشلتم وتنازعتم في الامر ولكن الله سلَّم انه عليم بذات الصدور والتحم الجيشان فثبت الله المسلمين امام عدوهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتابع المعركة رافعا يديه الى السماء يدعو ويسأل النصر على الاعداء ولما اشتدت المعركة شارك صلى الله عليه وسلم في الحرب ولم يبق مشرك الا ودخل عينيه حصى من قبضة الرسول عليه افضل الصلاة والتسليم.
المدد من السماء
جاء المدد والنجدة للمسلمين من السماء وقيل ان الله سبحانه وتعالى ارسل خمسة آلاف ملك على خيل بلق قال تعالى اذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم اني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ومعنى مردفين اي متتابعين وضربت الملائكة الكفار على الاعناق فكان الفارس من المسلمين يقصد ضرب رقبة منازله من الكفار فتسقط رقبة خصمه قبل ان يصل سيفه اليها.
حسم المعركة
المعركة رغم قوة الكفار لم تستمر سوى يوم واحد وتوجت بنصر مبين للمسلمين على الكفار وقد اسفرت المعركة عن استشهاد اربعة عشر مسلما,, وقتل سبعين مشركا من كبار قريش وابطالها واسر سبعين آخرين منها وكان في مقدمة قتلى المشركين قائد معركتهم ابو جهل وهكذا انتهت اولى واهم المعارك في الاسلام وغزوة بدر الكبرى.